أيها العربي.. لمَ تخاطبني بالإنجليزية؟

22 جانفي

 “ما ذَلّت لغةُ شعبٍ إلا ذلّ ، ولا انحطَّت إلا كان أمرُهُ فى ذهابٍ وإدبارٍ” 

تتجول بهاتفك في إحدى الشبكات الإجتماعية فتجد متجراً سعودياً يعرض بضاعته باللغة الإنجليزية رغم أن المتجر لا يقوم بتوصيل بضاعته إلا بداخل السعودية. تمرر ناظيرك إلى التعليقات والحوارات الإنجليزية المكتوبة لتتفاجئ أنها كُتبت من قبل سعوديين. تقرر مشاهدة الصور في انستقرام لحسابات سعودية موجهة لزبائن من العرب لتجد أن التعليق مكتوب بلغة إنجليزية مليئة بالأخطاء. تذهب إلى إحدى المطاعم في السعودية لتطلب ماتريد بالإنجليزية حتى تتأكد أن النادل الذي لا يتحدث العربية سيقوم بإحضار ماتريده وليس مافهمه هو. تأتيك رسالة باللغة الإنجليزية مع مفردات “عربيزية” قبيحة من زميلة قضت أغلب حياتها في العربية السعودية. تصغي لإحداهن وهي تأمر ابنها بلبس “الشوز” بنفسه ليكون “قود بوي”، وتسمع أحد السعوديين يطلق صيحة تعجب “جيس!” (اختصار جيسس|يسوع بالعربية) من خبر هبوط أسعار النفط. تُشاهد محاضرة أُقيمت في أحد مدن المملكة باللغة الإنجليزية لجمهور عربي رغم أنها لاتحتوي على أي مصطلحات علمية على الإطلاق. تتذمر إحداهن باللغة الإنجليزية زاعمة أن اللغة العربية لا تسع مشاعرها في نفس اللحظة التي يتقلب فيها حافظ ابراهيم في قبره.
ماهذا ياعرب! هل نحن حقاً في الجزيرة العربية؟

لماذا الإنجليزية؟

نعلم جيداً أن اللغة الإنجليزية غدت لغة العلم في هذا الزمان، بعد أن تنازعت معها اللغتين الفرنسية والألمانية لإحتلال الصدارة قديماً. وعلى الرغم من أن الماندرين الصينية هي اللغة الأكثر استخداماً كون الشعب الصيني هم أكثر سكان العالم تعداداَ، إلا أن الإنجليزية هي اللغة المسيطرة في جميع أنحاء العالم. ولا مجال للمقارنة بين لغة الماندرين الصينية واللغة الإنجليزية، فاللغة الصينية هي الأكثر استخداماً وذلك بسبب تعداد السكان لأهل الصين الذي يفوق المليار والنصف نسمة، مليار منهم تقريباً يتحدثون الماندرين بشكل رسمي!

 
ولكن لم أصبحت اللغة الإنجليزية هي اللغة المسيطرة؟
هذا بسبب الإستعمار قديماً وبسبب الحاسوب حديثاَ: فاستعمار بريطانيا لدول العالم حتى أصبحت الدولة التي لا تغيب عنها الشمس جعلت الكثير من الدول تتحدث اللغة الإنجليزية بشكل رسمي، فالولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا ونيوزيلندا والهند وجنوب أفريقيا والعديد من الدول العربية كمصر والسودان واليمن كانت تحت الإستعمار البريطاني. وغالبية هذه الدول أصبحت تتحدث بلغة المُستعمر حسب مدة إستعماره والمهاجرين إليها. وانهيار ألمانيا بعد الحرب العالمية، وصعود الولايات المتحدة كدولة عظمى تؤثر اقتصادياً وسياسياً وثقافياً على دول العالم، جعل من اللغة الإنجليزية لغة مسيطرة.
أما الحاسوب فقد أصبحت لغات البرمجة فيه تعتمد إعتماداً أساسياً على اللغة الإنجليزية الأمريكية. فلا يتعرف الحاسوب على كلمة colour بالإنجليزية البريطانية في أغلب البرامج الحاسوب البرمجية. وعندما أتحدث عن البرمجة فإن ذلك يشمل الجوالات بأنواعها، والأجهزة اللوحية (كالآيباد)، والشبكات الإجتماعية، والمواقع الإلكترونية على اختلافها، بل وهذه التدوينة التي تقرأها كُتبت في موقع بُني بإستخدام البرمجة.

لذلك، من المهم أن نتحدث ونقرأ بلغة العلم، بل ومن الواجب تعليمها للأطفال حتى يشاركوا في فهم وصُنع العلم. لكن لأي مدى نُجيز لهذه اللغة الأجنبية بالدخول إلى أمور حياتنا رغم امتلاكنا للغة رائعة؟ لماذا يتحدث العربي إلى عربي آخر بلغة إنجليزية أو يُدخلها إلى محادثاته في العالم الإفتراضي؟ هل حديث العربي إلى عربي آخر بغير لغته يدل على احتقاره للعربية أم عدم تمكنه منها؟

وبالحديث عن الإحتقار أو الفخر والإعتزاز باللغة، أجد أن أهل كيبيك في كندا من الناس الأكثر اعتزازاً وفخراً بلغتهم الفرنسية لدرجة العنصرية. فعلى سبيل المثال، قد يرفض شخص ما التحدث إليك باللغة الإنجليزية رغم أنه يتقنها. ونجد أن المُنتجات الأجنبية التي تُباع هنا لابد وأن تكون مكتوبة باللغة الفرنسية بالإضافة إلى اللغة الأساسية لها، وإلا تُمنع من دخول كيبيك. وللطلاب هنا في الجامعات حق الكتابة باللغة الفرنسية إن أرادوا ذلك رغم أن الجامعة تُدرس باللغة الإنجليزية! وإذا أرادت إحدى المتاجر الأجنبية أن تفتتح لها فرعاً في كيبيك ولها موقع إلكتروني، لابد وأن يحتوي الموقع على خيار اللغة الفرنسية في التصفح وإلا سيُحجب!

على سبيل المثال، هذا موقع أمريكي لمتجر ملابس موجود في مونتريال، ولكن بسبب عدم احتواءه على اللغة الفرنسية كخيار للتصفح، أصبح محجوباً!

Screen Shot 2015-01-22 at 1.19.21 PM
“نظراً لقانون اللغة الفرنسية، لا نستطيع عرض هذا الموقع للأشخاص الموجودين في منطقة كيبيك الكندية.. سندرس إمكانية إضافة اللغة الفرنسية لخدمة الزبائن الذين يتحدثون الفرنسية..”.
وهذا موقع أمريكي آخر لبيع الملابس موجود في مونتريال، لكنه محجوب أيضاَ!

Screen Shot 2015-01-22 at 1.17.22 PMأذكر أن أستاذة اللغة الفرنسية المُهاجرة من إيران كانت تخبرنا بأنها تتحدث مع طفلها باللغة الفارسية فقط وتتجاهله حين يتحدث إليها بالإنجليزية أو الفرنسية، ” الفارسية لغة جميلة، لا أريده أن يكبر ويتقن الإنجليزية والفرنسية ولا يتحدث الفارسية لغتنا الأم، أو يتحدثها كأجنبي! ثم أن الأطفال أذكياء بإمكانهم أن يتحدثوا 7 لغات بطلاقة”.

نعود مرة أخرى إلى نفس السؤال: لماذا يتحدث العربي إلى عربي آخر بالإنجليزية؟ هل هذا يعود إلى أن الإنجليزية تُضفي هيبة وتُسبغ شيئاً من المسحة الثقافية على المُتحدث؟ هل يريد المُتحدث المُحافظة على لغته الإنجليزية حتى لا ينساها؟ هل اعتاد المبتعث على التحدث بالإنجليزية لأنه قضى من 3 إلى 5 سنوات في الغربة متجاهلاً العشرين سنة – على الأقل- التي قضت ومنها سنوات التأسيس -الطفولة- وهو يتحدث بالعربية؟ أم هل يريد أن يتنصّل من التعليقات السلبية في الشبكات الإجتماعية لما يُريد أن يقوله خاصة وأن الكثير من الحسابات الفاضحة والتغريدات الجارحة – للأسف- باللغة العربية؟

4 تعليقات to “أيها العربي.. لمَ تخاطبني بالإنجليزية؟”

  1. Sultan AL-Zayed 2 فيفري 2015 في 4:19 م #

    سبحان الله مقالك كتبتيه بنفس وقت مقالي ويتحدث عن نفس المشكلة.
    اوافقك بكل شيء، المشكلة ثقافية وايضاً عدم اعتزاز وفخر بلغتنا العربية لغة القرآن.
    اتذكر بفرنسا يوم كنت ادرس، مستحيل يكلمونني انجليزي وغصب فرنسي او ماتمشي اموري، بينما عندنا اشوف البنت تطلب من ماك بالانجليزي وهو يرد عربي -ـ-

  2. أسيا (@142Sakura) 5 فيفري 2015 في 4:49 ص #

    لأننا نستهلك أكثر مما ننتج بداية من الثقافة و الفنون إلى كل أبرة في حياتنا فأصبح كل ماتستقبله من حولك بهذه اللغة

  3. Ameenah 26 مارس 2016 في 11:32 ص #

    جميل جمبل المقال ومايضحكني الإ اللي يقول ماأقدر أعبر بشكل جيد بالعربي رغم أن العربي لها مرادفات بالآلاف.

Trackbacks/Pingbacks

  1. الأمركة | مذكرات طالبة مبتعثة - 13 أفريل 2016

    […] الإنجليزية: وقد تحدثت في هذا الموضوع بإسهاب في تدوينة (أيها العربي لم تخاطبني بالإنجليزية؟)، ومن المُلاحظ أن استخدام اللغة الإنجليزية في المجتمع […]

من فضلك, اترك ردا :)