الأمركة

13 أفريل

“الأمركة مصطلح يرمز إلى تأثير الثقافة الأمريكية على ثقافات الدول الأخرى، ويظهر هذا التأثير في جوانب الحياة المختلفة كالموسيقى، الطعام، والإعلام وغيرها” وفي هذه التدوينة سنحاول أن نستعرض على عجل بعض مظاهر الأمركة في مجتمعنا السعودي والتي أتت من الثقافة الأمريكية في الغالب، وقد يكون للمبتعثين مساهمة فيه بشكل أو بآخر. وينبغى التنبيه على أنه ليست كل مظاهر الأمركة سيئة، فقد تكون بعضها ضرورية بسبب نمط الحياة المعاصر:

استخدام اللغة الإنجليزية: وقد تحدثت في هذا الموضوع بإسهاب في تدوينة (أيها العربي لم تخاطبني بالإنجليزية؟)، ومن المُلاحظ أن استخدام اللغة الإنجليزية في المجتمع السعودي هي إنجليزية أمريكية وليست بريطانية كما كانت تُدرّس بالمناهج التعليمية في السابق. والكلمات الفرنسية اليومية التي كنا نستخدمها قبل سنوات كالمكياج والروج والبنطلون والكوافير والاصنصير وغيرها حلّت محلها كلمات إنجليزية (ميك اب، لب ستيك..)، بل حتى الألوان أصبحت تُقال بالإنجليزية فاللون الوردي أصبح “بِـنك” والبرتقالي “أورنج”.. وأصبح من الضروري استخدام مصطلحات انجليزية خاصة مع انتشار الشبكات الإجتماعية التي تُزوّد خدماتها باللغة الإنجليزية.

المدارس العالمية (انترناشونال سكولز): المدارس العالمية موجودة في السعودية قبل سنوات عديدة (كمدارس الملك فيصل بالرياض في بداية التسعينات الميلادية) ولكنها بدأت تنتشر بشكل أوسع خلال السنوات الأخيرة وقد يعزو هذا الأمر إلى عودة المبتعثين إلى السعودية بصحبة أطفالهم الذين لا يتحدثون العربية بشكل جيّد، وهناك الكثير ممن يعتقد أنه من الضروري تعلّم العلوم المختلفة بلغة العلم الحالية-الإنجليزية- حتى لا يُصبح الأمر صعباً عند دخول الجامعة. وهذه المدارس عالية التكلفة (على سبيل المثال الرسوم السنوية “أو الفصلية؟” لمدرسة جديدة في مدينة الرياض تُكلف 85 ألف ريال، وهذه المدرسة بالمناسبة ليس لديها موقع باللغة العربية)، وتقوم هذه المدارس بتدريس أغلب المواد باللغة الإنجليزية بشكل أساسي والتخاطب داخل الفصول يكون باللغة الإنجليزية. والطريف أن وصف المدارس بالعالمية هو أمر غير دقيق، فالمدرسة عادة تكون ذات منهج أمريكي – أو حتى بريطاني- فقط، وليست مُنتقاة من مناهج دول مختلفة كاليابان أو الصين أو مصر والمغرب.

 -الحضانات: خروج الأم للعمل ولمساعدة الزوج من أجل توفير حياة كريمة للأسرة يجعل من وجود الحضانات أمراً لازماً. والحضانات هذه قد تُذكرنا  نوعاً ما- بطريقة الرضاعة لدى العرب قديماً، فالعرب كانت تُرسل أطفالها مع المرضعات بعيداً عن أمهاتهم إلى البادية حتى يستقيم لسانهم. وكما كانت المُرضعات يتخيّرن العوائل الغنية من العرب ليقبضن أجورهن، تقوم الحضانات بالمنافسة فيما بينها وبأسعار مرتفعة لعرض خدماتها التعليمية للأطفال عن طريق اللعب، فنجد الكثير من الأطفال إلى مرحلة ما قبل التمهيدية يستطيعون القراءة ويحفظون الأرقام والحروف والكثير من الأناشيد والقصص.

البخشيش: في تدوينة سابقة تكلمت عن البخشيش، والبخشيش عادة أمريكية ليست لها أصل في المجتمع العربي، فالعربي في الأساس كريم وشهم يخدم غيره دون مقابل. وكلمة البخشيش بالمناسبة فارسية الأصل، لكن اختلف الأمر في السنوات الأخيرة حتى منعت وزارة التجارة المطاعمَ من إضافة رسوم الخدمة إلى الفاتورة.

– بعض الإحتفالات:
“-برايدل شاور”: تُقيم صديقات العروس حفلة مُفاجِئة للعروس قبل ليلة زواجها بشهر أو أسبوعين للإحتفاء بها وإعطائها الهدايا. وهذا التقليد كما شاهدت يختلف عن الغمرة الحجازية أو ليلة الحناء في الإسم ويتفق تقريباً في المعنى. فالدعوة إلى هذه الحفلة بين الصديقات تحمل على الأقل الاسم الإنجليزي للحفلة هكذا (برايدل شاور) أي حفل العروس. وقد يُلبسن العروس تاجاً فيه قطعة متدلية من قماش التُل وتحمل عبارة مكتوبة بالإنجليزية (برايد تو بي | أي قريباً العروسة).  
والأصل في هذا التقليد عند الأمريكان هي أن يحمل أصدقاء وصديقات العروسين الهدايا معهم والتي تُساعدهم في تأثيث البيت الزوجي، كأن يجلب بعضهم شيئاً من أدوات المطبخ، وقد أخبرتني زميلتي الأمريكية أنها تلقّت قِدراً فرنسياً فاخراً (لو كغوسيه) من أم زوجها كهدية منها في هذا الإحتفال. وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، فإن فستان العروسة البيضاء تقليد إنجليزي، وخاتم الخطوبة تقليد أمريكي. وأذكر أن زميلتي الهندية تفاجئت عندما علمت أن فستان العروس السعودية لونه أبيض “كما الأمريكان كما علّقت” فقد كانت تظن أن فيه شيئاً من الهوية العربية. 
 
-“بيبي شاور”: تحتفل الأم الحامل مع صديقاتها بالمولود الذي سوف يُولد قريباً في اجتماع يُسمى بال”بيبي شاور” أو حفلة للمولود، على العكس من السابع والذي يُقام بعد الولادة حين انشغالها بالطفل، وكعادة كل الحفلات، تتلقى الأم الهدايا، وقد تكون الحفلة مُفاجئة لها من قٍبل صديقاتها.

الطعام الأمريكي: البرقر
وهنا تذكّرت أغنية مصرية مشهورة لمحمد فؤاد في فيلمه (أمريكا شيكا بيكا) والذي يصف فيها أمريكا، وكان الهامبرقر من ضمن كلمات الأغنية “همبرقر يعني لحمة..” فالبرقر هو طعام أمريكي بامتياز، سريع في إعداده، ولا يحتاج إلى أدوات كثيرة لطبخه أو لإستخدامها عند تناوله، فهو يؤكل باليدين وتكلفته رخيصة نسبياً إذا ماقُورن بالأطباق الهندية أو الصينية أو حتى اللبنانية. والشعب السعودي يحب البرقر كثيراً، وانظر إلى الترقب والحماس الذي يُصاحب الناس عند افتتاح مطعم شهير للبرقر، بل أنه ظهرت محاولات شبابية من باب ريادة الأعمال في تأسيس مطاعم للبرقر.

القهوة الأمريكية السوداء:
وأقصد بالقهوة الأمريكية هنا التي تُشترى من المقاهي الأمريكية كستاربكس ودانكن دونتس وحتى ماكدونالدز. فالقهوة العربية لدينا ترتبط بالضيافة، وتُشرب عادة مع الآخرين وبكميات قليلة على فترات متباعدة، أما القهوة الأمريكية فهي سريعة كنظام الحياة الأمريكية تُشرب على انفراد وفي أي مكان حتى بداخل السيارة، وقد يتصف محبو القهوة الأمريكية بمزاج صباحي عكر لا يهدأ ولا يستقيم مع الناس حتى يشربوا القهوة، بل لا يستطيع بعضهم مواصلة نظام الحياة القلق دون كوب يومي من القهوة.

– الإعلام الأمريكي:
وهو السبب الأساسي في جلب كل مظاهر الأمركة إلى بلادنا. فمن أجل أن تعرف قوة الإعلام الأمريكي، لم يُشتهر رمز الشواذ (قوس قزح) إلا من بعد سماح الولايات المتحدة بزواج الشواذ رغم أن دولاً كثيرة قامت بتشريع الزواج قبل الولايات المتحدة بسنوات ككندا. ورغم أن هذا الشعار ظهر في السبعينات الميلادية، إلا أن ألوان قوس القزح أصبحت في فترة قصيرة جداً من المحظورات كالصليب وانظر إلى حساب وزارة التجارة في تويتر والمُبلغين عن المُنتجات التي تحمل هذه الألوان والتي طالما اعتدنا على رؤيتها منذ الصغر. كما تلعب الشاشة الأمريكية دوراً مهماً في تكوين الشخصية الشبابية، ومن النادر أن تجد شاباً أو شابة سعودية لم تشاهد حلقة واحدة على الأقل من حلقات المسلسل الأمريكي فرندز (أو لم تسمع به).

فتح الهدايا أمام الناس: وهذه العادة القبيحة لم تكن موجودة لدينا إلى وقت قريب. فمُتلقي الهدايا في حفلة ما يشكر أصحابها عند تلقيها ولا ينزع تغليفها عنها حتى انتهاء الحفلة وانفضاض الناس. أما الواقع الآن فمختلف: يجلس صاحب الحفلة في المنتصف ويفتح الهدايا هدية تلو الأخرى ويعبّر عن إعجابه بكل هدية، وقد يستعرض بهداياه فيصّورها أمام الناس في وسائل الشبكات الإجتماعية المختلفة (سناب تشات على سبيل المثال) مع تذييلها بعبارات الشكر. وهنا تكمن المشكلة ويظهر الحرج، فأصحاب الهدايا تختلف قيمة هداياهم بل ويختلف تقديرهم لصاحب الحفلة، فهدايا الزملاء ليست كهدايا الأصدقاء المقربين، وهناك منهم من لم يجلب هدية من الأساس. فاستعراض الهدايا أمام الجميع يًحرج البعض.

هذا مافي جعبتي الآن من مظاهر الأمركة، نراكم في تدوينة قادمة بإذن الله 🙂

4 تعليقات to “الأمركة”

  1. هيثم 13 أفريل 2016 في 11:59 م #

    فكرة جميلة ان تكتبي مذكراتك كطالبة مبتعثة. عموما، لدي عدة تعليقات واسئلة:

    ١- بالنسبة للبخشيش فأنا ارى انها ثقافة ايجابية. فهي كرسوم بسيطة على الخدمات المقدمة، وتوضح مقدار الامتنان.

    ٢- ماهو اللبس التقلدي لفستان العروسة عند السعوديين او عند العرب؟ ملاحظة جميلة منك ومن زميلتك الهندية.

    ٣- ثقافة البرجر والقهوة الامريكية منتشرة عندنا من زمان، وهي كذلك منتشرة في كثير من دول العالم.
    ومن الذكاء ان نقوم بنسخها وتطويرها وتسوقيها من جديد، بدلا من محاربة هذي المنتجات.
    لذلك فكرة المطاعم المحلية للبرقر هي فكرة ايجابية، واتمنى ان ينجح احدهم عالميا ويصل الى امريكا. ويفعل مثل مافعل دومنيز بيتزا في ايطاليا.

    ٤- ملاحظتك عن الاعلام الامريكي غير واضحة.

    ٥- فتح الهدية امام الناس هي فكرة ذكية، عشان اللي ما جاب هدية يستحي ويجيب في المناسبة الجاية 🙂

  2. اسما 25 أفريل 2016 في 6:55 م #

    مدونه رائعه جداا , استمتعت كثيرا فعلا انتي غير شكل ,, اشياء جديده عليا قريتها هنا .. لاتوقفين هالمدونه اللطيفه ^^

  3. Abdulrahman 28 أفريل 2016 في 3:27 م #

    نقطة فستان الزواج جميله! اتسائل متى دخلت هذه العادة لمجتمعنا السعودي.
    اما عادة فتح الهدايا امام الناس، اتمنى ما تنتشر، محرجه و سيئة!

  4. فهد الحربي 15 ماي 2016 في 9:19 م #

    نحن من خلقنا هذا الإعجاب بثقافة الغرب عموما وخجلنا من ثقافتنا وحتى لهجتنا فضل عن لغتنا ..يعجبني بالإمارات العربية المتحدة اعتزازهم بثقافتهم وبداوتهم واسماهم ولهجتهم وتعزيزها في إعلامهم..تحياتي لك

من فضلك, اترك ردا :)