ماذا يأكل المبتعث؟

3 ماي

ا “فليأكل ما يريد! وما شأننا في ذلك؟” ا

هذه مدونة تُعنى بشؤون المبتعثين وتقوم بملاحظة عاداتهم وأخبارهم وتدوينها، والأكل عملية فسيولوجية يقوم الإنسان بممارستها يومياً كما أن الإنسان يقضي 3 إلى 4 سنوات من عمره فقط في أكل الطعام، بالإضافة إلى ذلك، ألا توافقوني الرأي بأن الطعام يستحق أن يُفرد له موضوعاً منفرداً؟

في بداية الإبتعاث، كان الكثير من المبتعثين يتحرون اللحم الحلال المذبوح على الطريقة الإسلامية أو “كوشر” وهو الطعام الذي يتوافق تقديمه مع القوانين الدينية اليهودية، فلحم الكوشر هو لحم تم ذبحه على الطريقة اليهودية. وربما كان سبب تحري المبتعثين للحلال في بادئ الأمر هو احتكاكهم بالمبتعثين الليبيين الذين لا يأكلون إلا في مطاعم تقدم اللحوم الحلال. وبالإضافة إلى الليبيين، يوجد كذلك المبتعثون الشيعة الذين لا يأكلون سوى اللحم الحلال، والكثير من الباكستانيين والهنود. أذكر أن إحدى الهنديات كانت تلبس القصير ولكنها كانت فخورة بما تتناوله من لحوم أمام صديقاتها المحجبات، فتخبرهم بصوت عالِ مرتدية القصير بأنها لا تتناول إلا “الزبيحة”.

ورغم أن هناك آية صريحة من القرآن (وطعامُ الذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم) تنص على إباحة طعام أهل الكتاب، إلا أن الكثير من المبتعثين كانوا يصرون على تحري اللحم الحلال ويعللون بأن الصعق الكهربائي الذي يستخدمه الأجانب في قتل الأبقار والأغنام ليس كالذبح، حتى جاء الفرج بفتاوي عديدة من شيوخ كانت أولها من سلمان العودة. ومع ذلك، يوجد العديد من المبتعثين الذين لا يأكلون اللحم إلا إذا كان مذبوحاً على الطريقة الإسلامية من باب التقوى وتحري الحلال في الطعام، وتجد بعضهم ينتقد غيره في عدم السير على تقواه. إحداهن شبهت بعض المبتعثين ببني إسرائيل ف (كل الطعام كان حلّا لبني إسرائيل إلا ما حرّم إسرائيل على نفسه).

والعديد من المبتعثين خاصة الذين لا يتحدثون الإنجليزية بشكل جيّد يخطئون فيأكلون الخنزير من غير قصد في بداية ابتعاثهم. فأسماء الخنزير في الطعام متعددة، و لحم الخنزير يُضاف إلى العديد من الأطباق كسلطة السيزر الإيطالية، والبرقر، وبجانب البيض في الفطور، ويظنونه لحماً مقدداً أو من مكونات الطبق ولا يكتشفون الأمر إلا بعد فوات الآوان. حتى مادة الجيلاتين المصنوعة من الخنزير، والتي تكون موجودة في حلويات بشكل أساسي كالمارشملو “خدود البنات؟” وحلويات ال”جيلي”، لا يتعرف عليها المبتعث إلا في وقت متأخر بسبب الجهل غالباً وبعدم اكتراثه أحياناً.

كما أن الكحول لها قصة آخرى مع المبتعثين، فبعيداً عن الخمور إن كان هناك من يشربها، إضافة الكحول إلى الطعام تسبب توتراً لهم. فالكثير من المبتعثين لا يأكلون الطعام الذي يحتوي على النبيذ “الواين”، رغم أن تناول هذا الطعام بكميات كبيرة لا يُسكر. وبعضهم يأكل منه لأن نسبة الكحول فيه بسيطة، لا تُسكر ولا تؤثّر (انظر فتوى ابن عثيمين).

وفي بلد يعج بالأكل القمامي كأمريكا، يفتقد المُبتعث إلى طعام لذيذ مطبوخ. فيقوم بالترحال إلى بقالات عربية أو باكستانية يبتاع فيها الكثير من البهارات والمستلزمات الخاصة بالأكل العربي، والكثير من المبتعثين الطلاب أصبحوا طباخين يجيدون طبخ الكبسة، بل ويقدموها كطبق شعبي في اليوم الوطني للأجانب بالإضافة إلى القهوة العربية التي لا يستطيع المبتعث أن يجد البُن الخاص بها في البقالات العربية إلا فيما ندر. بل وأصبح أحدهم نجماً في الشبكات الإجتماعية لأنه افتتح قناة في اليوتوب يعلم فيها الطبخ، وآخر أصبح طبّاخاً مُحترفاً غيّر مجاله الدراسي (هندسة طبية) من أجل تحقيق حلمه.

ويقوم البعض بشحن الأطعمة وجلبها معهم من السعودية إلى بلد الإبتعاث، كالتمور والأجبان المعلبة والأندومي والبن العربي والبهارات. والكثير منهم لا يصرّح عنها عند وصوله إلى المطارات ويكتفون بتمتمة الآية الكريمة “وجعلنا من بين أيديهم سدّاً..”. وفي التصريح عن الأطعمة والكشف عنها حفاظ على البيئة من مخاطر الأمراض والحشرات التي قد تجلبها بعض المواد الغذائية. ولكن الكثير يٌفضّل أن يدع أمور حياته “تمشي بالبركة”، ويصبح الأمر مُخالفاً للقوانين يتعرض صاحبها للغرامة أو التشهير كما شاهدنا في أحد برامج التلفاز الإسترالية عن عائلة سعودية أرادت تقضية إجازتها في استراليا وقامت بجلب الأطعمة بدون أن يصرحوا عنها.

والمبتعث يتفاجئ من تطفل الأجانب على الطعام كشعيب، فهم يقدسون الطعام المجاني ويتكاثرون عليه كالذباب دون خجل. أذكر أن أحد الأساتذة أخبرنا بأن فرصة قدوم الناس إلى المؤتمرات والمحاضرات والكلمة التي تُلقى عادة في المؤسسات التعليمية تزداد مع وجود المشروبات والطعام المجاني. وإذا قارنت بين الخطوط الجوية السعودية وبين الخطوط الأمريكية والكندية-بغض النظر عن المزايا والمساوئ- تجد أن من أهم المفارقات الموجودة هي الطعام. فالطعام مجاني في الخطوط السعودية حتى في الرحلات الداخلية، ولكنه ليس كذلك في الرحلات الداخلية على متن الخطوط الأمريكية والكندية -وإن طالت الرحلة من شرق القارة الأمريكية إلى غربها- سوى المشروبات. وزملاء الدراسة يعدّون تناول الطعام خارج المنزل من الإسراف حتى في فُسح الغداء، فهم يحملون شنط الغداء معهم والتي تحتوي على فواكه وطعام مطبوخ مسبقاً في حافظات مخصصة يقومون بتسخينها في أجهزة المايكرويف الموزعة بداخل ساحات الطعام الجامعية. وهم أيضاً يأكلون وينظرون إلى طعامك ويستفسرون عنه وعن اسمه ومكوناته دون خجل، وإذا دعوتهم إلى تجربة بعضاً منه، لا يقومون برد طلبك كما نفعل نحن العرب عادة-فلا نجيب إلا على استحياء وتلبية لقسم الداعي بالأيمان المغلظة- بل يتذوقون منه بكل رحابة صدر ويشكرونك.

والعديد من المبتعثين تأثروا بهذه العادات الأمريكية المتعلقة بالطعام، فالكثير من الحفلات التي تُقام في الغربة تكون على أساس المشاركة بأطباق الطعام potluck
وعادة القسم بدفع فاتورة الطعام عن الشخص الآخر بدأت تتلاشى ليحلّ معها الدفع بال”باي” أو المشاركة في الدفع بتقسيم الفاتورة على الجميع.

ولأن الطعام في المطاعم الأمريكية يأتي بكميات وفي أطباق كبيرة، اعتاد المبتعث على أخذ الطعام معه للمنزل وذلك لتسخينه وتناوله فيما بعد. أحد العرب انتقد العادات العربية فيما يتعلق بالطعام المتبقي، أخبرني بأن الناس في مدينته مازالوا يتهيبون من أخذ الطعام المتبقي معهم عند انتهائهم من الأكل في المطاعم حتى لا يُتهمون بالبخل!

والقهوة السوداء الأمريكية أصبحت عادة جلبها الكثير من المبتعثين إلى السعودية، فالمقاهي الأمريكية على نظام المطاعم السريعة، تقف في طابور لتبتاع قهوتك في كوب ورقي وتذهب إلى عملك أو محاضرتك. وهناك العديد ممن لم يكن يشرب القهوة السوداء، وأصبح مدمناً عليها كونها رفيقة الدراسة والسهر. أخبرتني إحداهن أنها عانت كثيراً عندما عادت إلى السعودية وذلك لأن منزلها يقع بعيداً عن مقهاها المفضل دانكن دوناتس. (هل أنت من حزب الشاي؟ اضغط هنا

ومن الطريف أن السعوديين يقومون بإرسال صور الطعام المنزلي إلى أصدقائهم وأقاربهم من المبتعثين من باب قهر المبتعث وهي طريقة ناجحة ومضمونة بالمناسبة.

نراكم في تدوينة قادمة بإذن الله

رد واحد to “ماذا يأكل المبتعث؟”

  1. وجدان 17 أوت 2016 في 6:12 م #

    تدوينة جميلة جدا..

من فضلك, اترك ردا :)